مقتطف من كتاب كمال حسن علي والدي عنونه بمشاوير العمر حيث يقدم فيه أسرار وخفايا سبعين سنة من عمر مصر
الحقيقة أني لا استطيع ان استعيد شريط الذكريات للسنوات الأولى من طفولتي ، دون أن تموج أحاسيسی باروع صور الجمال لحي عابدين الأنيق الهادئ حيث كانت تغترف رئتای من شذا الأزهار المتفتحة وعبق الأشجار المزدهرة التي تنتشر داخل حدائق القصر الملكي الكبير والذي تحيط به الأسوار العالية لتقف حجابا كثيفا مخفی مرتادي حدائق القصر من افراد العائلة المالكة ، فلا تقع عليهم عيون سكان الأدوار العليا من البيوت المحظوظة التي تحيط بالقصر ..
في أحد هذه البيوت ولدت طفلا محظوظا يستمتع برؤية عربات ۱ الفايتون ، الملكية البراقة تجرها الخيول المطهمة ثم سيارات الرولزرويس الحمراء القانية تتهادی فرق إطارات بيضاء ناصعة وبداخلها أمیرات ساحرات أو ملك مهيب المحيا ترکي التقاطيع . وكل هذه الصور تبدوالى الان كفيلم ملون التقط في أرقى أنحاء أوربا .
ولكي تكتمل خلفية الصورة الأنيقة في أغوار مخيلتي ، تترامى إلى ذهنی دقات الطبول القرية المنتظمة والتي كانت تستهوي وجداني الصغير تصاحب أنغام المارشات العسكرية البديعة تصدح بها موسیقی الخيالة الملكية التي تنتظم في طوابير منضبطة عليها فرسان يشرعون سيولهم اللامعة ، وقد تصلبت وجوههم الجادة فوق سلاسل من الفضة تكسو مناكبهم العريضة فبدوا لي في ثباتهم المهيب وكانهم تماثيل نحتوا من صخر ، سوى أنهم كانوا يتحركون کالات مسيرة .
إرسال تعليق
شكرا جزيلا